قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان شروط صحة الصلاة زيادة على الطهارة من الحدث وعن النجاسة ولبيان مبطلات الصلاة.
قال المؤلف رحمه الله (وَمِنْ شروطِ الصلاةِ استقبالُ القِبلةِ1)
الشرح يشترط لصحة الصلاة استقبال الكعبة أي جرمِها أو ما يحاذي جرمها إلى السماء السابعة أو الأرض السابعة2، فلو استقبل مُشاهِدُ الكعبةِ الكعبةَ ببعض بدنه وبعضُ بدنه خارج عنها لم يكف. والمرادُ بالكعبة القدرُ القائم الآن. والمراد بالاستقبال أن يستقبل بالصدر3 في القيام والقعود وبمعظم البدن في الركوع والسجود. والقادر على الاجتهاد في القِبلة لا يأخذ بقول مجتهد غيره وإنْ فعل لا تنعقد صلاته بل يجتهد هو لنفسه وأما إن دخل بيت ثقة فقال له صاحبُ البيتِ الثقةُ عن علمٍ لا عن اجتهاد القبلةُ هكذا يجوز له الاعتماد على كلامه. وأما الطفـل المميز الذي لا يستطيع الاجتهاد فيقال له القبـلة من هنا.
قال المؤلف رحمه الله (ودخولُ وقتِ الصلاةِ)
الشرح من شروط صحة الصلاة معرفة دخول الوقت يقينًا كأن يعاين الزوال برؤية زيادة الظل عمّا كان عليه عند بلوغ الشمس وسط السماء أو يُعايِنَ تحوّله إلى جهة المشرق بعد أن كانت الشمس في وسط السماء أو ظنًّا باجتهاد كأن يعتمد على صياح الديك المجرَّب. وإذا عمل التقيُّ الثقة العارف تقويمًا لأوقات الصلاة اعتمادًا على مراقبته يجوز أن يُعتمد عليه لكن الأفضل أن ينظر الشخص بنفسه إلى الظل لصلاة الظهر والعصر وإلى الأفق للصلوات الثلاث المغرب والعشاء والصبح. وكذلك يُعرفُ دخول الوقت بقول الثقة أو بسماع أذانه. ولا يكفي القيام للصلاة والدخول فيها بمجرد التوهم بل تلك الصلاة فاسدة ولو صادفت الوقت4. وأما من اشتبه عليه الوقتُ لأجل غيم فيجتهد بناء على ما مضى من الأيام التي راقب فيها على التحقيق.
قال المؤلف رحمه الله (والإسلامُ والتمييزُ وهوَ أَنْ يكونَ الولدُ بلغَ مِنَ السنِّ إلى حيثُ يفهمُ الخطابَ ويردُّ الجوابَ)
الشرح من شروط صحة الصّلاة أن يكون المصلي مسلمًا فالكافر لا تصح منه الصلاة. كذلك التمييزُ شرطٌ فالولد غير المميز لا تصح منه الصلاة فلا يقال لغير المميز صلّ بل يقال له انظر كيف الصلاة
قال المؤلف رحمه الله (والعلمُ بفَرضيتِهَا)
الشرح كذلك يشترط لصحة الصلاة العلمُ بفرضيتها فلو كان يتردّد فيها هل هي فرض أو لا أو اعتقد أنَّها نفل ليست فرضًا لم تنعقد صلاته حتى يعرِفَ أنَّها فرض فتصحَّ منه.
قال المؤلف رحمه الله (وأنْ لا يعتقدَ فرضًا مِنْ فروضها سنةً5)
الشرح أن من شروط صحة الصلاة أن لا يعتقد أن فرضًا من فروضها سُنّةٌ أي غيرُ واجب كالركوع والسجود والقراءة للفاتحة وغير ذلك مما هو فرضٌ مُتّفق عليه في مذهب الشافعيّة. أمَّا من اعتقد أن أفعالها أو أقوالها كلَّها فروضٌ صحت صلاته، ومن اعتقد أن بعض أفعالها فرض وبعض أفعالها سُنّة ولم يقصد بفرض معيّن أنَّه سنّة فإن صلاته صحيحة سواء في ذلك العامي وغيره6.
قال المؤلف رحمه الله (والسترُ بِمَا يسترُ لونَ البشرةِ لجميعِ بدنِ الحرةِ إلا الوجهَ والكفين وبما يسترُ ما بين السرةِ والركبةِ للذكرِ والأمة من كل الجوانبِ لا الأسفلِ.)
الشرح يشترط لصحة الصلاة ستر العورة مع القدرة ولو كان في ظلمة وخاليًا تأدّبًا مع الله تعالى. والعورة في الصلاة في حق المرأة الحرّة أي الأنثى التي هي غير مملوكةٍ جميع بدنها إلا الوجه والكفين .
والستر يحصل بما يستر لون الجلد والشعر وأمّا ما لا يستر اللون فلا يكفي، فلا يكفي الثوبُ الرقيقُ الذي تُميَّزُ من خلفه البشرةُ السمراءُ من البشرة البيضاء7. وأمّا حدّ العورة بالنسبة للذكر والأَمةِ فهو ما بين السرّة والركبة فليست السرة والركبة عورةً إنما العورة ما بينهما. وهذا الستر المشترط إنما هو من الأعلى والجوانب لا من الأسفل فإِنه لو صلى الشخص على مكانٍ مرتفع وكانت تُرى عورته لمن نظر من أسفلَ لكنها لا تُرى من الأعلى والجوانب صحّت صلاته8 9.
قال المؤلف رحمه الله (وتبطلُ الصلاةُ بالكلامِ وَلَو بحَرفَيْنِ أوْ بحرفٍ مُفهِمٍ إلا أنْ نسيَ وقلَّ)
الشرح الصلاةُ تبطل بما هو من كلام النَّاس عمدًا مع ذِكرِ أنّه في الصلاة أي من غير أن يكون مغلوبًا لايستطيع ترك ذلك النطق ولو كان ذلك النطقُ بحرفين كهَلْ وبَلْ ولو لم يكن لهما معنًى وبحرف ممدود كأن يقول ءَا أو إيْ أو أُو فإنه بسبب المد صار حرفين. وكذلك تبطل الصلاة بالنطق بحرف مفهم وذلك كأن يقول قِ بقاف مكسورة لا يتبعها شىء وكذلك عِ بعين مكسورة10 وكذلك فِ بكسر الفاء لأنّ هذه الحروف الثلاثةَ كل واحد منها له معنًى يُفْهَم منه فَقِ يُفهم منه الأمر بالوقاية وَعِ يفهم منه الأمر بالوعي وفِ يُفهم منه الأمر بالوفاء، فهذا وما أَشْبهه يُبطل الصلاة إن كانَ عمدًا أي ومع ذِكرِ أنّه في الصلاة وكان عالِمًا بالتَّحريم. فأَمَّا النّاسي أنّه في الصلاة إذا تكلَّم بكلام قليل أي ستِّ كلمات عُرْفيةٍ فأقلَّ فلا يبطل نطقه هذا صلاته وهذا مثلُ أن يقول اذهب إلى السوق واشترِ لي خُبزًا ثم أحْضره لي ثم ضعه في مكان كذا ونحوَ هذا. ومن كان جاهلاً بحرمة الكلام في الصلاة لكونه ممَّن أسلم من وقتٍ قريب أو لكونه نشأ في بلدٍ بعيدة عمَّن يعرف أحكام الشرع فإنه لا يُبطل كلامُهُ في الصلاة صلاتَه. وأَمَّا التنحنح ففي مذهب الإِمام الشافعي فيه رأيان أحدهما أنه يبطل والآخر لا يبطل. وخرج بكلام الناس ذكرُ الله فإنه لا يبطل.
قال المؤلف رحمه الله (وبالفعلِ الكثير وهو عندَ بعضِ الفقهاءِ ما يسَعُ قدرَ ركعةٍ منَ الزمن، وقيل ثلاثُ حركاتٍ متوالياتٍ، والأولُ أقوى دليلاً)
الشرح ممَّا يُبطل الصلاة الفعلُ الكثير المتوالي11 وضبطوه بثلاث حركات سواء كان بثلاثة أعضاء كحركة يديه ورأسه12 على التعاقب أو دَفعةً واحدةً13 أو ثلاث خطوات14، هذا هو المشهور عند الشافعيّة، أما ثلاث حركاتٍ غير متواليات فلا تفسد الصلاة عندهم. وقال بعضهم لا يبطل الصلاةَ مِنَ الفعل إِلا ما وسع مقدار ركعة من الزَّمن في ءان واحد أي متواليًا وبين القولين فرق كبير15. وهذا الوجه الثاني يجوز العمل به لأنَّه أوفق لظاهر بعض الأحاديث.
قال المؤلف رحمه الله (وبالحركةِ المُفرِطةِ وبزيادةِ ركنٍ فعليٍّ16 وبالحركةِ الواحدةِ للَّعبِ)
الشرح من الفعل المبطل الحركةُ المفرطة كالوثبة17. ومن المبطل أيضًا الحركة الواحدةُ إذا كانت للَّعب ولو لم تكن مفرطة أما إذا ابتسم أو مسح على رأس ولد صغير مثلاً لإيناسه فلا يُبطل ذلك الصلاة. ولا يُفسد الصلاةَ تحريكُ الأصابع مع استقرار الكفِّ وإن كَثُرَ، وكذلك تحريك الجفْن أو اللسان أو الأذن وحلّ زرٍّ وعقده ولو كثر إن كان الكف قَارًّا ما لم يكن للَّعب18. وكذلك تبطل الصلاة بزيادة ركن فعليّ كأن عمل ركوعين في ركعة واحدة من صلاة الصبح مثلاً ذاكرًا ذلك أما الركن القوليُّ إذا كرّره فلا يُبطل الصلاة فلو كرر الفاتحة أربع مرات مثلاً في ركعة واحدةٍ لم تفسد صلاته.
قال المؤلف رحمه الله (وبالأكلِ والشربِ إِلا أنْ نسِيَ وقلَّ19)
الشرح من مبطلات الصلاة الأكل والشرب إِلا ما كان مع النسيان فإِنه لا يبطل إن كان أكلُهُ وشربه قليلاً. وكذا تَبطلُ الصلاة إذا تقيأ عامدًا أو مغلوبًا وكذا لو تجشّأ فوصل الجُشاء إلى ظاهر الفم ولو لم يبلعه أما إن شك هل خرج شىء من الجوف إلى ظاهر الفم عندما تجشأ أو لا فلا تفسد صلاته بذلك.
قال المؤلف رحمه الله (وبنيّةِ قطعِ الصلاةِ وبتعليقِ قطعِهَا على شىءٍ وبالتردُّدِ فيهِ)
الشرح مَن نوى في قلبه أن يقطع الصلاة في الحال أو بعد مُضيِّ ركعة مثلاً بَطَلَت صلاتُه20. وكذلك تبطل بتعليق القطع بشىءٍ21 كأن قال في نفسه إن حصل كذا فإنّي أقطعها فإنها تبطل حالاً، وكذلك بالتردُّد فيه22 كأن قال "أقطعها أم أستمرُّ فيها" فإنها تبطل. هذا إذا لم يكن خاطراً أي بحيث لم يورثه ترددًا ولا عزمًا على القطع.
قال المؤلف رحمه الله (وبأنْ يمضيَ ركنٌ معَ الشكِّ في نيّةِ التحرُّمِ أو يطولَ زمنُ الشكِّ.)
الشرح مَنْ شك في نية الصلاة هل نَوَى في التحرّم أو لا واستمر هذا الشكُّ حتى مضى ركنٌ وهو يشكُّ فإن صلاتَه تبطل كأنْ قرأ الفاتحةَ وهو في هذا الشك فإنها تبطل أو شكَّ في ذلك ثم رَكَعَ وهو شاكٌّ فإنها تبطُلُ، وكذلك إذا طال زمنُ الشك ولو لم يمضِ معه ركنٌ ، فأَمَّا إن تذكر قبل أن يمضي مع الشك ركن أو يطولَ وقت الشك لم تبطل وذلك بأن يشك فيزول سريعًا23. وأمَّا ظنُّ أنّه في صلاةٍ غيرِ الصلاة24 التي دخل بِنِيَّتها فلا يُبْطِلُ الصلاة ولو أتمَّها وهو على ذلك.
-------------